الثلاثاء، 28 مايو 2019

ثقافة الحوار... كتب: وجدان عبد العزيز بقلمه


الحقيقة التي لامناص لها اننا في منبرنا هذا، لانتحدث عن الثقافة بمفهومها العام والمتمثل في المنظار الذي ينظر الانسان من خلاله لذاته ولبقية البشر وللاشياء وبطبيعة الحال فان "الآخر" هو المغاير للذات ايا كان سبب المغايرة، وهنا صلب موضوعنا في شد الرأي العام لثقافة الحوار خاصة، كوننا ندعو لهذا بحرص من مسار الاحداث الموغلة في التاريخ، حتى عصرنا الحالي، فلا شك ظهرت ثقافة حوار قادت ثورات مهمة، كالثورة الفرنسية الكبرى، وكان المسار الذي اثاره ديكارت واتباعه عن الحقيقة واليقين وبطريقة الشك، والذي انجر على تحديث الاسلوب والمضمون في قضايا الادب انذاك، ومهد الى ظهور عصر التنوير في الثقافة الاروبية، حيث كانت متعطشة للتغيير وناشدة للتحول الفلسفي المبتعد عن اللاهوت والمتبني للادلة العقلية، حيث اصبح من المسلم به لهولاء المحدثين الركون الى العقل والعلم والفلسفة، وهذا جزء من الانفتاح وتنوير التوجهات الى تطوير افاق المستقبل بكل ابعاده، وبالتالي جعل التقدم العلمي اطارا حتميا لاسعاد البشر، هذا التحرك العلمي ادى الى الانفتاح على الاخر واهتزاز الدساتير في العالم الاروبي وجعل الانسان المادة الاساسية لها، مما  دفع الى عملية الاعتراف بالآخر المختلف وحرية الفرد وقيام الدولة المدنية الحديثة، وبالتالي وضع مبدأ ان أي مجتمع لايؤمن بالتعددية الدينية والمذهبية والقومية والسياسية، هو مجتمع سكوني غير قابل للتطور، ومن هذا المنطلق قامت الثورة الفرنسية، والتي رفضت الثقافة المحافظة، تلك التي كانت خليطا من العلاقات الاقطاعية والدينية والمذهبية، حيث شكلتْ تلك العلاقات بنية ثقافية لاقصاء الاخر والاحتفاظ بالسكونية هذه الثقافة، التي ثار عليها رجال الثورة الفرنسية، ورثناها نحن العرب من الاستعمار الغربي، حيث ولدت لدينا حكومات استبدادية افلحت في تحجيم تنامي المشاعر القومية والوطنية وخلق بؤر للتناحر والاحتراب الداخلي، حتى اصبحت منظومة فكرية ثقافية للتشكيلات العرقية والمذهبية والسياسية، مما ادى الى تحول هذا الصراع الى شكل دموي، كونه صراعا مصيريا في ذهن هذه التشكيلات، ويبدو ان الانظمة الشمولية استطاعت وأد الحركات التي حاولت ان تقف موقفا واعيا، يخالف وعي الانظمة الشمولية السكوني بعدم الانفتاح على الاخر المختلف..والان اذ نعيش مفردات التغيير والقضاء على النظام الشمولي الصدامي، لكن تحركات بعض الكتل السياسية المتمثلة في رئاساتها تدل الى محاولة البعض منها تأسيس ثقافة اقصاء جديدة، متغابية بعض هذه الرؤوس مع الاسف عن ان هناك تشكيل اخر مختلف لايستطيع احد ايقافه ودليلنا ماحدث في المنطقة العربية خاصة، مما اعطى هذا الاخر المختلف في العراق دفقا حياتيا، واصبح من المسلمات التخلي عن النمط الفكري الاحادي والتعامل مع الواقع،  والذي فشل فيه المال والسلاح لاجل ابقاء حالة الاقصاء، ودل ان المال المبذول والسلاح وثقافة التكفير لن تفلح، حيث توهجت الحقيقة التاريخية الفلسفية القائلة: بان الحقيقة المطلقة ان وجدت، فهي من صناعة العقل الجمعي لاالفردي، ولابد من التوقف عن الاوصاف للاخر المختلف والتي يطلقها بعض من اصحاب القرار في العراق.. اكيد هذا الحال يحتم على التفكير الواقعي، البحث عن بدائل الاليات لمد جسور التفاهم والاحترام، والاهم من هذا كله تعميق الاحساس بالمواطنة وتغليب آصرتها على أي آصرة اخرى، ومادمنا نعيش سوية، فعلينا الترويج لسياسة التسامح والاعتراف بالاخر المختلف، وهي مسؤولية الجميع وخاصة اصحاب الوعي من المثقفين، ونبذ سياسة التحريم والتجريم داخل السلطة وخارجها، ونجعل تطبيق القانون والعدالة وتعميق الشعور بدالة الوطنية.. ثقافة اخرى من ثقافات الحوار... ومن هنا فثقافة الحوار، هي التي تعصمنا من الاختلاف المذموم، وتجعله اختلافاً محموداً، وتعلمنا فن إدارة الاختلاف بما يجعل من التمايزات بين البشر، مصدر ثراء وتنوع وبهجة، وأداة للتفاعل الحضاري الخلاق تتيح للشعوب "التعارف" وتبادل الخبرات والتجارب والمعارف بين بعضها، فثقافة الحوار تفرض علينا خيار الحوار العقلاني وسيلة حضارية لإدارة الاختلاف؛ سواء بتفعيل حالة الحوار الداخلي بين القوى والأطياف المجتمعية دون إقصاء أوتخوين وتكفير لأحد، أو بتنشيط حالة الحوار الخارجي لإزالة سوء الفهم والظن وتغيير الصورة النمطية السائدة، والتي كوّنها كل طرف تجاه الآخر، وهي في الحقيقة صورة ذهنية زائفة يمكن تصحيحها لتجنب حالة الصدام والمواجهة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق