قصة قصيرة
سلمتِ وأنرتِ أديبتنا المتألقة بنورِ حرفها الوضاء كل الشكر والتقدير
بدا شارداً في عملهِ حتّى أنّ زملاءَهُ لاحظوا تكرار أخطائهِ .
اكتسحت جسدهُ رعشة هزّت كيانَهُ . كادت دقاتُ قلبهِ تصمّ أذنيه . وقد اتخذَ قرارهُ .
طلبَ مقابلة مديرِ المصنع ، حيثُ كانَ جالساً على كرسيهِ مُتجهماً ونظرتهِ كسهمٍ يخترقُ روحهُ فتنهار خوفاً .
شعرَ بالاختناق مُتهيباً النظرَ إلى عينيهِ .
فهوَ يعلم أنّ حياتَهُ باتت مرهونة برضاه .
مكتفياً بتوزيعِ نظراتِ الذّل في أرجاءِ الغُرفة .
وبصوتٍ قاسِ ابتدرهُ سيدهُ بالكلام : ماذا تريد ؟
أطرقَ نبيل يستعطفه : لقد نفذَ ما معي مِنْ مال ، ولا أستطيع إيقافَ علاج ولدي المريض فهو بحاجة إلى جرعاتٍ غالية مِنَ الدّواء .
اريدُ مالاً وسأفعل ما تريد .
ابتسمَ رئيسهُ وكأنّه وجدَ ضالته مؤكداً : مهما كان ؟
شعر نبيل يفرج قريب فقال بحماس : مهما كان .
نظرَ سيدهُ وبلهجةٍ ظافرة قال : حسناً ، أريدُ منكَ أن تشهدَ في المحكمة بما أمليهِ عليكَ في دعوى أُقيمت ضدي ،
وسأعتبر المبلغ الذي تطلبهُ هدية مني لولدكَ المريض .
ازدردَ لعابهُ بصعوبة ، تصببَ العرقُ من جبينهِ مستنكرا ً: ولكن !
ثم تذكّر آلامَ ولدهِ وتوسلاتُ عينيهِ تطلبُ الشّفاء .
كمْ كرهَ هذا الرجل الذي يجبرهُ على خيانةِ مبادئِهِ وما عاشَ حياتَهُ مؤمناً بهِ فلمْ يترك لهُ الخَيار .
قالَ بضغفٍ ذليل : كما تُريد .
ردّ عليهِ سيدهُ بضجر : حسناً اخرج الآن ، وعنّدما يحينُ الموعد سأخبرك ، وإياكَ أن تُعلم أحداً بما جرى بيننا .
خرجَ مُكبّاً على وجههِ وشرودٌ حزين يلفّه دونَ أن يلاحظ ما حولهُ حتّى أنّهُ اصطدمَ بزميلهِ الذي كان يتبعه ليسأله بفضول عما جرى من حديث وعبثاً حاول .
فماذا سيقولُ لهُ وهوَ مَنْ عَرفهُ قدوة في الأخلاق والأمانة ، وكمْ أبدى إعجابهُ بإخلاصهِ في العمل .
ثمّ فكّر: ماذا لو انكشفَ أمرهُ أمامَ عائلة زوجتهِ فأبوها راهنَ عليهِ حينَ تقدمَ لخطبتها رُغمَ عدم موافقة الأم التي رفضت لأنّه لا يملك المال .
ولكنّه لنْ يدعَ ولدهُ يموتُ الماً مهما كانَ الثّمن .
فلو كانَ الربّ رحيماً لما عَذّبهُ بلا ذنب ،
ومنذُ اللحظة سيخلع عنهُ عباءةَ الإيمان ، وسيكونُ كما تريدُ لهُ الحياة .
كانَ شيطانهُ يدفعهُ بلا هَوادة لا يستطيعْ مُقاومتهُ .
شعرَ أنَّ كلّ شيء حولهُ ينهار في لحظة ، وأنَّ الحياة باتت مُظلمة ليصبحَ طريدَ ذنبهِ منذُ اللحظة .
بدا في المحكمة شاحباً يحاول التماسك ، رغم أن ساقيهِ لا تكادان تحملانهِ في انتظار الإدلاء بالشهادة ، مُترنحاً وكأنهُ يقع في هاوية ، حتّى نوديَ باسمهِ .
شعرَ بالدّوار والغثيان مُحاولاً المحافظة على توازنهِ مُتخيلاً ولدهُ وقد استعادَ عافيتهِ ، يحاولُ رسمَ تفاصيلَ جميلة تمنحهُ القوّة .........
كلّها سقطت حينَ لمٔ يرَ في عيني ولدهِ نظرات الفخر التي اعتادَ أن يراها .
رووعة💚💚
ردحذف